من الواجب أن أعلق على ما يحدث الآن، و دعوني أدخل في الموضوع دون مقدمات.
كان هناك شبه إجماع في الشارع على وجوب رحيل النظام، كان هذا حتى ألقي مبارك خطابه الأخير الذي قسم الناس على بعضها.
=========
يقول المؤيدون له:
=========
لقد أعطى الرجل لنا كل ما نريد.. وضع نائبا يحترمه الجميع.. و أقال الحكومة ..و سيستغل فترة رئاسته الأخيرة لينظم انتقال سلمي للسلطة.
من منا لم يقشعر بدنه لقول مبارك أن أرض مصر هي التي دافع عنها و عليها يموت؟
قول مؤثر من رجل كبير في السن يخاطب إنسانيتنا جميعا..لا بد من خروج كريم لهذا الرجل الذي-رغم كل شيء- لم يكن بهذا السوء.
فهناك شعور بالأبوة نحو هذا الرجل.. كلنا كنا نرى صورته يوميا في المدرسة حتى أصبح جزئا من وجداننا..
كما أنه صمام الأمان في المنطقة.. لم يدخلنا في حروب و جعل علاقاتنا الدولية جيدة.
كلنا نحب الاستقرار و لانريد أن تحدث فوضى.. لو انتقلت السلطة فلتكن بشكل تدريجي و ليس مفاجئا.
كما أن الناس قد أرهقت من تعطل أعمالها و ذلك الشعور المؤلم بانعدام الأمن و الموارد المالية..
كلنا نريد للشرطة أن تعود.. كلنا نريد أن يعود الناس لكسب أرزاقهم
لابد أن تعود الأمور كما كانت في أسرع وقت، فهذه أولوية قصوى.
=========
يقول المعارضون له:
=========
شعور الأبوة نحو مبارك جاء بسبب كونه في الحكم منذ ٣٠ سنة ليس أكثر، لا يوجد شعب ديموقراطي يشعر أن الحاكم هو أبوه..فالحاكم هو رئيس مجلس إدارة الوطن و ليس قدرا أزليا لا يتغير كأبوك و أمك.. هذا الشعور بداخلنا دليل على تفرده بالسلطة منذ طفولتك !
كما أن الرئيس ليس مسئولا فقط عن الملفات الخارجية ، فهو مسئول شخصيا عن فشل مشروع توشكى و عن البطالة و الفساد و الفقر و تدهور التعليم و العلاج و المرافق.. هو الذي يختار كل المسئولين و في يده كل السلطات.. فهو المسئول عن كل شيء بما في ذلك اختفاء الأمن في الأيام الماضية.
و في السياسة الخارجية: تدهورت علاقتنا بدول حوض النيل و ضاعت هيبتنا بين العرب و أصبحنا نشتبك مع أشقاء بسبب ماتش كورة..
في خطابه الأخير:
لم يعط مبارك إلا وعودا.. فبالعقل: لا يوجد شيء حقيقي.
لقد وعد مبارك من قبل، بأنه لم يترشح إلا لفترتين، لكنه لم يفعل..
وعد بإلغاء قانون الطوارئ -في فترته الحالية- و لم يفعل..
وعد بانتخابات برلمانية نزيهة، لكنها لم تكن كذلك.
كما أنه لم يتكلم عن تعديل المادة ٨٨ -التي ألغت الإشراف القضائي علي الانتخابات- فأي انتخابات قادمة قد يسهل تزويرها أيضا.
و نائب الرئيس لا يقوم إلا بما يكلفه به الرئيس.. أي أن السلطات لاتزال في يد رجل واحد..
لم يتغير أي شيء.
يتوقع المعارضون أن يستغل مبارك الشهور المتبقية -وهي ليست قليلة- كي ينكل و ينتقم بكل من قاموا بالثورة.. لقد تعلم مما حدث و سيعيد قوى الأمن المركزي و أمن الدولة لقمع المعارضين و ستبدأ حملات اعتقال واسعة و لن يتم إلغاء قانون الطوارئ أبدا.. و سيقوم الإعلام الرسمي (أنس الفقي لايزال موجودا) بحملات إعلامية تؤيد الرئيس مدى الحياة.. و ستخرج المظاهرات المؤيدة له -على جمالهم و خيولهم حاملين عصيهم و هراواتهم- تحت حماية الشرطة في كل مكان رافعين صور مبارك، فيقبل مبارك مبتسما و يظل لفترة رئاسية جديدة، أو يعطي الحكم للسيد جمال الذي لايزال في موقعه الرسمي.
ستنتهي هذه الثورة -التي لم يقم بمثلها المصريون في تاريخهم كله- إلى لا شيء!
و سيكتب أمثال "ممتاز القط" التاريخ، قائلين أنها كانت ثورة اللصوص، التي أجهضها النظام العظيم.
=========
عزيزي القارئ
=========
أكتب هذا الموضوع ، لا لأقنعك بوجهة نظري.. لكن لأوضح لك أن لكل شخص مبررات و حجج تجعله يشعر أنه على حق.
أكتب هذا الموضوع كي تخمد أي رغبة قد تتقد في صدرك ، كي تستخدم العنف و تؤذي شخصا لا يتفق معك في الرأي.
لو قدر لما أن نكون دولة ديموقراطية في يوم من الأيام.. فلابد أن نتعلم كيف نتقبل اختلافنا في الرأي.. و نحترم حق كل منا في التعبير عما يؤمن أنه صواب، طالما كان سلميا.
أيا كان رأيك فأنا أحترمه تماما.. فلا تحاول تغيير رأيي بالعنف و السباب، كما أتوقع في التعليقات على هذا المقال..
أكتب هذا الموضوع كي ندرك أننا كلنا مصريون.. و أن لنا هدفا مشتركا...
هو أننا نعيش في وطن واحد.. فلماذا لا يكون أعظم وطن في العالم؟.
بقلم الدكتور.شريف عرفة
